فصل: من فوائد السعدي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأصلها منقولة من طائفة الشيء وهي الجزء منه.
وقوله: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} استُعمل الأخذ في حقيقته ومجازه: لأنّ أخذ الحِذر مجاز، إذ حقيقة الأخذ التناول، وهو مجاز في التلبّس بالشيء والثبات عليه.
وأخذُ الأسلحة حقيقة، ونظيره قوله تعالى: {والذين تبوّأوا الدار والإيمانَ من قبلهم} [الحشر: 9]، فإنّ تَبَوّأ الإيماننِ الدخول فيه والاتّصافُ به بعد الخروج من الكفر.
وجاء بصيغة الأمر دون أن يقول: ولا جناح عليكم أن تأخذوا أسلحتكم، لأنّ أخذ السلاح فيه مصلحة شرعية.
وقوله: {ود الذين كفروا} إلخ، ودّهم هذا معروف إذ هو شأن كلّ محارب، فليس ذلك المعنى المعروف هو المقصود من الآية، إنّما المقصود أنّهم ودّوا ودّا مستقربًا عندهم، لظنّهم أنّ اشتغال المسلمين بأمور دينهم يباعد بينهم وبين مصالح دنياهم جهلًا من المشركين لحقيقة الدين، فطمعوا أن تلهيهم الصلاة عن الاستعداد لأعدائهم، فنبه الله المؤمنين إلى ذلك كيلًا يكونوا عند ظنّ المشركين، وليعوّدهم بالأخذ بالحزم في كلّ الأمور، وليريهم أنّ صلاح الدين والدنيا صنوان.
والأسلحة جمع سلاح، وهو اسم جنس لآلة الحرب كلّها من الحديد، وهي السيف والرمح والنبل والحَرْبَة وليس الدرع ولا الخُوذَة ولا التُّرس بسلاح.
وهو يذكّر ويؤنث.
والتذكير أفصح، ولذلك جمعوه على أسلحة وهو من زِنات جمع المذكّر.
والأمتعة جمع متاع وهو كلّ ما ينتفع به من عروض وأثاث، ويدخل في ذلك ما له عون في الحرب كالسروج ولامة الحرب كالدروع والخُوذات.
{فيميلون} مفرّع عن قوله: {لو تغفلون} إلخ، وهو محلّ الودّ، أي ودّوا غفلتكم ليميلوا عليكم.
والميل: العدول عن الوسط إلى الطرف، ويطلق على العدول عن شيء كان معه إلى شيء آخر، كما هنا، أي فيعدلون عن مُعسكرهم إلى جيشكم.
ولمّا كان المقصود من الميل هنا الكَرُّ والشدُّ، عُدّي بـ (على)، أي فيشدّون عليكم في حال غفلتكم.
وانتصب (مَيلةً) على المفعولية المطلقة لبيان العدد، أي شدّة مفردة.
واستعملت صيغة المرّة هنا كناية عن القوّة والشدّة، وذلك أنّ الفعل الشديد القويّ يأتي بالغرض منه سريعًا دون معاودة علاج، فلا يتكرّر الفعل لتحصيل الغرض، وأكّد معنى المرّة المستفاد من صيغة فعلة بقوله: {واحدة} تنبيهًا على قصد معنى الكناية لئلاّ يتوهّم أنّ المصدر لمجرّد التأكيد لقوله: {فيميلون}.
وقوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر} إلخ رخصة لهم في وضع الأسلحة عند المشقّة، وقد صار ما هو أكمل في أداء الصلاة رخصةً هنا، لأنّ الأمور بمقاصدها وما يحصل عنها من المصالح والمفاسد، ولذلك قيّد الرخصة مع أخذ الحذر.
وسبب الرخصة أنّ في المطر شاغلًا للفريقين كليهما، وأمّا المرض فموجب للرخصة لخصوص المريض.
وقوله: {إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا} تذييل لتشجيع المسلمين؛ لأنّه لمّا كرّر الأمر بأخذ السلاح والحَذر، خيف أن تثور في نفوس المسلمين مخافة من العدوّ من شدّة التحذير منه، فعقّب ذلك بأنّ الله أعدّ لهم عذابًا مهينًا، وهو عذاب الهزيمة والقتل والأسر، كالذي في قوله: {قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم} [التوبة: 14]، فليس الأمر بأخذ الحذر والسلاح إلاّ لتحقيق أسباب ما أعدّ الله لهم، لأنّ الله إذا أراد أمرًا هيَّأ أسبابه.
وفيه تعليم المسلمين أن يطلبوا المسبّبات من أسبابها، أي إن أخذتم حِذركم أمِنتم من عدوّكم. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} أي: صليت بهم صلاة تقيمها وتتم ما يجب فيها ويلزم، فعلمهم ما ينبغي لك ولهم فعله.
ثم فسَّر ذلك بقوله: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} أي: وطائفة قائمة بإزاء العدو كما يدل على ذلك ما يأتي: {فَإِذَا سَجَدُوا} أي: الذين معك أي: أكملوا صلاتهم وعبر عن الصلاة بالسجود ليدل على فضل السجود، وأنه ركن من أركانها، بل هو أعظم أركانها.
{فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} وهم الطائفة الذين قاموا إزاء العدو {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ودل ذلك على أن الإمام يبقى بعد انصراف الطائفة الأولى منتظرا للطائفة الثانية، فإذا حضروا صلى بهم ما بقي من صلاته ثم جلس ينتظرهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم وهذا أحد الوجوه في صلاة الخوف.
فإنها صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها جائزة، وهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين من وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى أمر بها في هذه الحالة الشديدة، وقت اشتداد الخوف من الأعداء وحذر مهاجمتهم، فإذا أوجبها في هذه الحالة الشديدة فإيجابها في حالة الطمأنينة والأمن من باب أَوْلَى وأحرى.
والثاني: أن المصلين صلاة الخوف يتركون فيها كثيرا من الشروط واللوازم، ويعفى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها، وما ذاك إلا لتأكد وجوب الجماعة، لأنه لا تعارض بين واجب ومستحب، فلولا وجوب الجماعة لم تترك هذه الأمور اللازمة لأجلها.
وتدل الآية الكريمة على أن الأولى والأفضل أن يصلوا بإمام واحد. ولو تضمن ذلك الإخلال بشيء لا يخل به لو صلوها بعدة أئمة، وذلك لأجل اجتماع كلمة المسلمين واتفاقهم وعدم تفرق كلمتهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم، وأمر تعالى بأخذ السلاح والحذر في صلاة الخوف، وهذا وإن كان فيه حركة واشتغال عن بعض أحوال الصلاة فإن فيه مصلحة راجحة وهو الجمع بين الصلاة والجهاد، والحذر من الأعداء الحريصين غاية الحرص على الإيقاع بالمسلمين والميل عليهم وعلى أمتعتهم، ولهذا قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}.
ثم إن الله عذر من له عذر من مرض أو مطر أن يضع سلاحه، ولكن مع أخذ الحذر فقال: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
ومن العذاب المهين ما أمر الله به حزبه المؤمنين وأنصار دينه الموحدين من قتلهم وقتالهم حيثما ثقفوهم، ويأخذوهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مرصد، ويحذروهم في جميع الأحوال، ولا يغفلوا عنهم، خشية أن ينال الكفار بعض مطلوبهم فيهم.
فلله أعظم حمد وثناء على ما مَنَّ به على المؤمنين، وأيَّدَهم بمعونته وتعاليمه التي لو سلكوها على وجه الكمال لم تهزم لهم راية، ولم يظهر عليهم عدو في وقت من الأوقات.
وفي قوله: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} يدل على أن هذه الطائفة تكمل جميع صلاتها قبل ذهابهم إلى موضع الحارسين. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت منتظرا للطائفة الأخرى قبل السلام، لأنه أولا ذكر أن الطائفة تقوم معه، فأخبر عن مصاحبتهم له. ثم أضاف الفعل بعْدُ إليهم دون الرسول، فدل ذلك على ما ذكرناه.
وفي قوله: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} دليل على أن الطائفة الأولى قد صلوا، وأن جميع صلاة الطائفة الثانية تكون مع الإمام حقيقة في ركعتهم الأولى، وحكما في ركعتهم الأخيرة، فيستلزم ذلك انتظار الإمام إياهم حتى يكملوا صلاتهم، ثم يسلم بهم، وهذا ظاهر للمتأمل. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى ضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِيهَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ تَقُومُ طَائِفَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَى مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْضُونَ رَكْعَةً بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَقْضُونَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: «إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ جُعِلَ النَّاسُ طَائِفَتَيْنِ، فَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا مَعَهُ، وَسَجَدَ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ، وَيَقُومُ الصَّفُّ الْآخَرُ فِي وُجُوهِ الْعَدُوِّ، فَإِذَا قَامُوا مِنْ السُّجُودِ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ سُجُودِهِمْ قَامُوا وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي دُبُرِ الْقِبْلَةِ قَامَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ صَفٌّ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ وَالصَّفُّ الْآخَرُ مُسْتَقْبِلٌ الْعَدُوَّ، فَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ جَمِيعًا وَيَرْكَعُ وَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الصَّفُّ الَّذِي مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْقَلِبُونَ فَيَكُونُونَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، ثُمَّ يَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ جَمِيعًا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا وَيَسْجُدُ الصَّفُّ الَّذِي مَعَهُ، ثُمَّ يَنْقَلِبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيَسْجُدُونَ مَعَهُ وَيَفْرُغُونَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَهُمْ جَمِيعًا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إحْدَاهَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْأُخْرَى مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ، وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَمِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ لَا تُصَلِّي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا تُصَلَّى بِإِمَامَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ: «إنْ فَعَلْت كَذَلِكَ جَازَ» وَقَالَ مَالِكٌ: «يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَقُومُ قَائِمًا وَتُتِمُّ الطَّائِفَةُ الَّتِي مَعَهُ لِأَنْفُسِهَا رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَكَانِ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ فَيَقُومُونَ مَكَانَهُمْ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ وَيَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: «لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنْفُسِهَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ» لِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ؛ ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ تَقُومُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْضُونَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «الْإِمَامُ لَا يُسَلِّمُ حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنْفُسِهَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ».
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَتْ لِأَنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الَّتِي لَمْ يُصَلُّوهَا مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشَدُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلُ مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْآيَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الطَّائِفَةَ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّائِفَةَ الْمُصَلِّيَةَ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُسُ هَذِهِ الْمُصَلِّيَةَ؛ وَقَدْ عُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ جَمِيعًا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَعَ الْإِمَامِ لَمَا كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَائِمَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَكُونُونَ جَمِيعًا مَعَهُ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْآيَةِ.